جاء في مثالب أصفهان أنَّ رجلاً غريباً دخلها واستأجر داراً صغيرة لأيام ولم يكن يعرف فيها أي أحد ، ثمَ خرج على الفور ليشتري لنفسه عشاء ، فأتى الخبَّاز بعد أن اشترى العشاء واشترى منه رغيفين ، وفي طريق عودته سمع مسكيناً أعمى يسأل الناس ، فاقترب منه وأعطاه رغيفاً ، فقال له الأعمى : جزاك الله خيراً و رَحِمَ الله غربتك ! فتعجب الغريب وقال : وما علمك بغربتي ؟
قال الأعمى : أنا أعيش هنا منذ عشرين سنة لم أتناول من أحد رغيفاً ساخناً قط !
ترك المُلك وذهب يتعبد !
قال عون بن عبد الله بن عتبة : بنى ملك ممن كان قبلنا مدينة عظيمة ، فتنوق في بنائها ( تَنَوّق، أي: تأنق في الصنعة وجودها ) ثم صنع طعاما ودعا عامة الناس إليه ، وأقعد على أبوابها ناساً يسألون كل من خرج ، هل رأيتم عيباً ؟فيقولون : لا، حتى جاء في آخر الناس قوم عليهم أكسية ، فسألوهم : هل رأيتم عيباً ؟
فقالوا : نعم ، فأدخلوهم على الملك ، فقال : هل رأيتم عيباً ؟
فقالوا : نعم !
قال : وما هو ؟ قالوا : تخرب ، ويموت صاحبها !
قال : أفتعلمون دارا لا تخرب ولا يموت صاحبها ؟ قالوا : نعم ، فدعوه للدار الآخرة ، فاستجاب لهم ، وانخلع من ملكه ، وتعبد معهم !
فحدث عون بهذا الحديث ، عمر بن عبد العزيز ، فوقع منه موقعاً حتى همّ أن يخلع نفسه من الملك ، فأتاه ابن عمه مسلمة ، فقال : اتق الله يا أمير المؤمنين في أمة محمد ، فوالله لئن فعلت ليقتتلن بأسيافهم ، قال: ويحك يا مسلمة ، حملت ما لا أطيق ، وجعل يرددها ومسلمة يناشده حتى سكن .