حكايات عابر سبيل


 حكى بعضهم قال : كنت في سفر فضللت عن الطريق ،
فرأيت بيتاً في الفلاة ، فأتيته فإذا به أعرابيّة ، فلما رأتني قالت من تكون ؟
قلت ضيف . قالت أهلاً ومرحباً بالضيف ، انزل على الرحب والسعة .
قال فنزلت فقدمت لي طعاماً فأكلت ، وماءً فشربت ،
فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت . فقال من هذا ؟
فقالت ضيف . فقال لا أهلاً ولا مرحباً ، ما لنا وللضيف ،
فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت ،
فلما كان من الغد رأيت بيتاً في الفلاة فقصدته
فإذا فيه أعرابيّة فلما رأتني قالت من تكون ؟
قلت ضيف . قالت لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف ،
ما لنا وللضيف ، فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت
فلما رآني قال من هذا ؟ قالت ضيف . قال مرحباً وأهلاً بالضيف ثم أتى بطعام حسن
فأكلت ، وماء فشربت ، فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت .
فقال مم تبسمك فقصصت عليه ما إتفق لي مع تلك الأعرابيّة وبعلها ،
وما سمعته منه ومن زوجته ، فقال لا تعجب ان تلك الأعرابيّة التي رأيتها
هي أختي ، وان بعلها أخو إمرأتي هذه ، فغلب على كل طبع أهله .

* * *

ساوم أحد الأعراب حنيناً الإسكافي على خفين ،
ولكنه لم يشترهما بعد جدل طويل ، فغاظ حنيناً جدل الأعرابي ،
فقام وعلّق أحد الخفين في طريق الأعرابي ، ثم سار وطرح الآخر في طريقه ،
وكمن له . فلما مر الأعرابي ورأى أحد الخفين قال : ما أشبه هذا بخف حنين
ولو كان معه الآخر لأخذته ، فتقدّم ورأى الثاني مطروحاً ، فندم على تركه الأول ،
فنزل وعقل راحلته ، ورجع إلى الأول ، فذهب حنين براحلته ،
ورجع حنين وليس معه إلا الخفان ، فقال له قومه : ما الذي جئت به من سفرك ؟
فقال : جئت بخفي حنين .

* * *

حكى الأصمعي قال : ضلت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديداً ،
فالتجأت الى حي من أحياء العرب وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء
وهو يرتعد من البرد وينشد :




أيا رب إن البـرد أصبـح كالحـاً    وأنـت بحـالـي يــا إلـهـي أعـلـم
فإن كنت يوماً في جهنم مُدخلي      ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم


قال الأصمعي : فتعجبت من فصاحته وقلت له : يا شيخ ما تستحي تقطع الصلاة

وأنت شيخٌ كبير ، فأنشد يقول :



أيطـمـع ربــي أن أُصـلــي عـاريــاً   ويكسو غيري كسـوة البـر والحـر
فوالله لا صليـت مـا عشـت عاريـاً   عشاء ولا وقت المغيب ولا الوتـر
ولا الصبـح إلا يـوم شمـس دفيئـة     وإن غيمت فالويل للظهر والعصر
وإن يكسنـي ربـي قميـصـاً وجـبـة    أصلي له مهما أعيش مـن العمـر

* * *

قال الأصمعي : أصابت الأعراب مجاعة فمررت بأعرابي

قاعد مع زوجته على قارعة الطريق وهو يقول :



يا رب اني قاعـد كمـا تـرى    وزوجتـي قاعـدة كمـا تـرى
والبطن مني جائع كما ترى    فما ترى يا ربنا في ما ترى